الأدب الإسلامي

 

العالم الإسلامي يتكلم: ظلموني

شعر:  الأستاذ محمد الأمين الشيخ

 

 

ظَلَمُونِي، حَقَّا لَقَدْ ظَلَمُوْنِي

حَرَمُوْنِيْ الحياةَ في ظِلِّ دِيْنِي..!

حَكَمُونِيْ بِغَيرِ دِيْنِي فَنَفَسِيْ

فِي اضْطِرَابٍ، وأمّتِيْ فِي شُجُوْنِ

أبْعَدُوَنِي عَنْ هَدِيْهِ فَخُطَايَ

اليَوْمَ عُرجٌ مُصَابَة بالجُنُونِ

أبْعَدُوْنِيْ عَنْ نُورِهِ فَظَلامُ

اللَّيْلِ حَوليَّ مُوحِشٌ بِالسُّكُوْنِ

أبْعَدُوْنِيْ عَنِ الهُدَى فَأضَاعُوْنِي

وَقَدْ كُنْتُ فِي حِمَاهُ الحَصِيْنِ

عِشْتُ فِيْ ظِلِّهِ عَزِيْزًا رَفِيْعَ

الرَّأسِ لاَ أَنْحَنِيْ لِعَسْفِ القُرُوْنِ

ظَلَمُونِي لَمْ يَنْشُرُوْا العَدْلَ فِي

أَرْضِيْ وَلِمَ يَزْرَعُوْا بُذُوْرَ اليَقِيْنِ

بَذَرُوْا الذُّلَّ وَالمَهَانَةَ فِيْ نَفْسِيْ

وَضَحُّوا بِعِزّتِي لِلهُوْنِ

ظَلَمُوْنِيْ فَسَلَمُوا الْوَطَنَ الغَالِيْ

عَلَى الرَّغْمِ مِنْ صَلاَحِ الدِّيْنِ

وَأَضَاعُوْا مَا أَحرَزَ البَطْلُ

النَّاصِرُ بِالسَّيْفِ فِي رُبَا حِطِّينِ

ظَلَمُوْنِي فَحَكّمُوا الغَرْبَ فِيْ

أَمرِيْ وَحَادَوْا عَنِ الكِتَابِ المُبِيْنِ

فَاعْتَلَى كُرِسيَّ القَضَا يَتَحَدَّانِي

وَيَقْضِيْ بِحُكْمِهَ فِي شُؤُونِي

ظَلَمُوْنِي أَنَا الَّذِي عَلَّم الغَرْبَ

شُؤُوْنَ الدَسْتُوْرِ وَالقَانُوْنِ

مِنْ بَنيَّ اسْتَفَاد. كَيْفَ أَصِيرُ

الْيَوْمَ تَلْمِيْذَه، لَقَدْ ظَلَمُوْنِيْ

أَنَا قَاضِيْ الوُجُوْدِ وَالحَاكِمُ

العادلُ أقْضِيْ بِالعِلْمِ لاَ بِالظَّنُوْنِ

بِيَدِيْ الْـمُصْحَفُ الكَرِيْمُ

أَ أَحْتَاجُ إِلى الجَاهِلِيْنَ فِيْ التَقْنِيْنِ!

كَيْفَ أقْضِي بِشَرْعِهِمْ وَكِتَابُ

اللهِ غَضُّ التَنْزِيْلِ والتَبْيِيْنِ

مِنْ يَنَابِيْعِهِ تَفَجَّرَتْ الأَزْهَارُ

وَأخْضَلَّتِ الرِّبَا بِالمعِيْنِ

ظَلَمُوْنِي كُنْتُ المُعَلِّمَ وَالأسْتَاذَ

مِنِّي اسْتَمَدَّ أَهْلُ الفُنُوْنِ

ظَلَمُوْنِي فَمَزَّقُوْا شَمْل أَبْنَائِيْ

وَحدُّوا الحُدُوْدَ بَيْنَ البَنِيْنِ

وَلَقَدْ كَانَ عَالَميْ الأُفُق الرَحَّب

وَكَانَتْ أَطْرَافُهَ فِي الصِّيْنِ

ظَلَمُوْنِي كُنْتُ السَّحَابَة لِلنَّاسِ

وَ وردُ الرِّبِيْعِ وَالزَّيْتُوْنِ

أَيْنَمَا كُنْتُ كُنْتُ غَيْثًا مَريعًا

يَتَحَدَّى مُخلفَّاتِ السِّنِيْنِ

وَأَنَا اليَومَ أَجْتَدِي العَالَمَ الظَمآنَ

شَأْن الفَقِيْرِ وَالمسْكِيْنِ

ظَلَمُونِي فَعِنْدِيْ البَحْرُ وَالنَهرُ

وَمُزُنُ السَّمَا وَمَاءُ العُيُوْنِ

ظَلَمُوْنِي فَعَكَّرُوْا أُفَقِي الصَّافِي

وَشَابُوْا اَرْزَاقَه بِالطِّيْنِ

كُنْتُ فِي ظُلْمَةِ الدَّيَاجِي

مُشْرقَ النَّفْسِ بِاليَقِيْنِ المَكِيْنِ

أَنْتَشِيْ أنْ قَرَأْتُ فِي اللَّيْلِ

قُرْآنِي وَرَتَّلتُه بِشَدْوٍ حَزِيْنِ

فَرْحَتِي دَمْعَةُ تُبَلِّلُ خَدِّيْ

عِنْدَمَا يَخْتَفِيْ رَقِيْبُ العُيونِ

ذُقْتُ فِي هَدْأَةِ الدُّجَىٰ طَعْمَ إِيْمَانِي

وَطَعْمُ الهُدَىٰ وَطَعْمَ اليَقِيْنِ

يَحْلُمُ الليلَ فِي فُؤَادِي بِالأسْرَارِ

حَيْثُ الوُجُوْدُ غَافِيَ الجُفُونِ

فَغَرُّوْنِي فَأَغْرَقُوْنِي بِالأَلْحَانِ

وَالحانِ وَالهَوَى وَالمَجُونِ

ظَلَمُونِي فَأطفئوا شُعْلَةَ القَلْبِ

وَزَجَّوُه فِي ظَلاَمِ السُّجُونِ

كُنْتُ فِي رَوْضَةِ تُعَلِّلُنِيْ الأنسام

وَاليَوْمَ صِرْتُ فِي أَتُوْنِ

ظَلَمُوْنِي فَعَلَّمُوْنِيْ دِيْنَ الغَرْبِ

دِينَ الإِلْحَادِ وَاللاَّ دِيْنِ

ظَلَمُوْنِيْ فَعَلَّمُوْنِي دِيْنَ الخَمْرِ

دِيْنَ الحَشِيْشِ وَالأَفْيُوْنِ

ظَلَمُوْنِي فَعَلَّمُوْنِيْ دِيْنَ البَغْيِ

دِيْنَ الغَازَاتِ وَالهَيْدَرجِيْنِ

ظَلَمُوْنِي فَحَطَّمُوْا سَدَّ أَخْلَاقِيْ

وَكَانَتْ مَنِيْعَة التَحْصِيْنِ

ظَلَمُوْنِيْ مَنِ الذِيْ عَلَّمَ الخُوْدَ

فُنُوْنَ المُجُوْنِ فِي الصَّالُوْنِ

ظَلَمُوْنِي مَنِ الَّذِيْ زَيَّنَ

الشَّرَ عَلَى شَاشَةِ التِلْفِزُوْنِ

ظَلَمُوْنِي مَنِ الَّذِيْ بَثَّ فِيْ

المِذْيَاعِ سمَّ الإيحاءِ وَالتَّلْقِيْنِ

ظَلَمُوْنِيْ مَنِ الَّذِيْ بَغَّضَ

الدِّيْنَ وَكُنَّا نَهْفُو لَهُ بِالحَنِيْنِ

رِدَّةٌ نَامَ عَن كَوَارِثِهَا الحَارِسُ

فِيْ حِضَنِ رِزْقِهِ المَضْمُوْنِ

وَرَآهَا الجُمْهُوْرُ مَنْ سَنَّنَ الْكَوَنَ

فَطَمَتْ عَلَى الرُّبَا وَالحزَوْنِ

أَيْنَ حُكُمُ الهُدَى وَأَيَامهِ

البَيَاض وَتَارِيخه الوَضِيْءِ الجَبِيْنِ

حَكَمَتْنِيْ بَعدَ الهُدَىَ وَأَيَّامُهُ زُمُرُ

اسْتَالِيْنَ تَرْوِيَ الأَجْرَامَ عَنِ لِينِيْنِ

فاشْتَكَتْ لِلأَشَجِّ مِنْهُمْ دِمَشْق

وَاشْرَأَبَّتْ بَغْدَادُ لِلمَأْمُونِ

وَتَعَالَتْ مَقْبَرةُ النِّيلِ يا فَارُوق

يَا عَمْرُو يَا صَلاَحَ الدِّينِ

وَتَلاقَتْ فِي الشَّرقِ وَالغَرْبِ

صَيْحَاتٌ تُعَانِي مِن العَذَابِ المُهِيْنِ

مَا لَنَا وَالسَّفِيْن فِي لُجَّةِ البَحْرِ

شِراعٌ إِلاَّ دَعَا ذِي النُّوْنِ

هَؤلاَءِ الطَّغَاةُ قَدْ حَكَّمُوْنِي

وَاسْتَبَدُّوا عَلَى مُوسِلِيْنِي

ظَلَمُوْنِي فَأَيْنَ مَنْ يُنْصِفُوْنِيْ

أَيْنَ مَنْ يَغْرَقُونَ كَيْ يُنْقِذُوْنِ؟!

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، محرم – صفر 1437 هـ = أكتوبر – ديسمبر 2015م ، العدد : 1- 2 ، السنة : 40